Collège CSM Montréal Collège CSM

الحسانية والمجال بقلم: الدكتور الطالب بوياماء العينين لعتيك

Maghreb Observateur/Culture Hassanie


الدكتور الطالب بوياماء العينين لعتيك


من البديهي أن تصنف الثقافة الحسانية الشعبية ضمن الثقافات ذات الأصول العربية اذ أن لغتها تعتبر احدى دوارج اللغة العربية المتعددةّ، و هي بذلك تحمل بدون شك جزءا كبيرا من خصائص اللهجات العربية الحجازية و ان تأثرت ببعض اللهجات المجاورة ، واللهجة الحسانية اليوم التي تعتبر لسان مجتمع البيظان تنسب إلي بني حسان الذين يرجعهم النسابون إلي بعض قبائل معقل المهاجرة من شبه الجزيرة العربية حتى أناخت بالجنوب المغربي و صحراء الملثمين، و يشير أحد شعرائهم إلى انتسابهم الى فصيلة العرب الأقحاح بقوله في هذه الأبيات من قصيدة طويلة:
إنا بني حسن دلت فصاحتنا
أنا إلى العرب الأقحاح ننتسب
إن تقم بينات أننا عرب
ففي اللسان بيان أننا عرب
لو لم يكن غير هذا عندنا نسب
ندلي به لكفانا ذلك النسب
وتتميز بمجموعة من الخصائص المتعلقة بنمط العيش أو التكيف مع الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه ذووها مع طبيعة تنظيمهم الاجتماعي، وقد حافظوا عليها، وعضوا عليها بالنواجذ، وهي تعكس حياة علمية راقية بمنظومها ومنثورها وعاداتها وتقاليدها، سواء تعلق الأمر بإبداعاتها المادية او منظوماتها القيمية والأخلاقية.
وإذا كان لابد من التأكيد على حيزها الجغرافي فإن المجال الحساني ينحصر بين وادي نون جنوب المغرب إلى نهر السينغال بالإضافة إلى دول الشتات التي يستوطنها العنصر الحساني كمالي والجزائر والسينغال والشرق العربي وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى شيء هام في نظرنا وهو أن كل تراث يمتح من مصدره العربي الواحد المتمثل في اللغة العربية سيظل مدينا بفحواه الدلالي إلى مرجعيته العربية، ولذلك فإنه بدون شك سيظل متصلا بالتراثات الأخرى أينما كانت، مهما اختلفت و إياها، و مما يدعم هذا الطرح كثرة الانزياحات و الهجرات المتتالية التي عرفتها المجتمعات العربية في مد و جزر على مدى الأزمنة مما يؤكد تغير الثقافة الشعبية المصاحبة لهؤلاء مما وحد في نظرنا القاعدة الأساسية للتراث الشعبي العربي مع تغيير بعض الأصباغ و المفاهيم والإبطال دون إن يؤثر ذلك على البنية الأساسية، ودلك ما نستشفه من بعض الحكايات الخرافية و الأحاجي والأهازيج الشعبية والمسامرات وغيرها.
ومن الطبيعي أيضا ان يكون التأثر من جهتين بين الكتل البشرية الوافدة والتي وجدت امامها، فكان التأثر والتأثير حتما. وتجدر الإشارة هنا الى خاصية أساسية تمتع بها المجتمع الحساني دون غيره وهي عدم إهمال الإعراب في لهجته الحسانية غالبا مما أكسبه الفصاحة في النطق حيث تبقى صيغ الأفعال على حليها كما هي في اللغة العربية إلا ما كان يعتريها من تسكين خلافا للهجة المصرية مثلا حيث يقال حبس وسكت بذلا من حبس وسكت. (شوقي ضيف في كتابه تحريفات العمية للفصحى ص13)
وعليه فإن تصور الحدود الجغرافية لإخضاع الحدود الثقافية والتراثية يبقى تصورا غير دقيق، إذ أن هده الحدود الجغرافية لم تكن الا بعد تشكل الحدود الثقافية في نمطها التراثي الشعبي، نظرا للفضاء المفتوح الذي عاش عليه هذا التراث. ولم تكن الثقافة الحسانية بجميع تجلياتها بمنئ عن هذا المنحى حيث إننا حاولنا دراستها في الجنوب المغربي مثلا فإنها لامحالة ستتوغل بنا في الجوار الحدودي الجنوبي لتعبر بنا الى موريتانيا ومن تم إلى بعض الأقطار الأخرى مم يؤدي بنا إلى التيه في جزيرة افسح مجالا من التراث الشعبي. ومن التأثيرات المجال التي لا ينتبه إليها كثير من الباحثين في السياق نفسه نلاحظ ان الكثير من الأشعار الحسانية تتكرر على الألسن منسوبة لغير ما شاعر واحد والسبب لكونه شفهيا مما عرضه للنحل والاختلاط، فضلا عن تقارب بيئات الشعراء وتماثلها، وتوافق الشعراء والممدوح والمطية والمسميات مما يصدق نسبة القصيدة لهذا شاعر او ذاك وقس على ذلك ما قيل في الغزل والنسيب والإبل وغيرها لتقارب الزمان والمكان والاسماء.
ولا غرابة اليوم إذا كان الرباط قد إنفك بين الحسانية وكثير من المنتسبين إليها، فلقد زالت من أفواه الشباب وكادت من أفواه العامة، ولم يبق منها في المغرب إلا النزر القليل شعرا ونثرا يحتفظ به بعض المسنين الدين يكادون يظلون غرباء في هذا المجتمع بزيهم ولغتهم وسلوكهم، وبذا فقد ضاع منا كنز غني من كنوز الفصاحة والبلاغة، مهم ما أشار الاديب الباحث الموريتاني إسماعيل ولد محمد يحظيه في مقدمة مؤلفه: الممتع المحيط بكلام اهل شنكيط بقوله:
وكم كانت الحسرة تعتصر قلبي وأنا اتصفح عناوين الكتب والمطبوعات فلا اكاد أقع على عنوان جاد ينبش في هذا المعين التراثي المدفون ويضيئ الجوانب المنسية في مسيرته المجيدة فالبخلاء على التراث لن يعيشوا بدون تراث وسيعيش تراث الامة -اية امة-…. ومرة أخرى يحز في نفسي وانا جالس نعض ناشئتنا ومنهم جامعيون ومثقفون وانصافهم في حديث تعمدت ان يدور بعاميتنا العتيقة فكنت بينهم كما قال الشاعر أبو محمد التميمي:
إذا ما انقضى القرن الذي انت فيهم
وخلفت في قرن فانت غريب
وقد كثر اليوم “الباحثون” في مجال الادب الحساني فمنهم من اتخذه مطية لبلوغ اهداف معنية، وأصبح من أراحب المجلات للبحث لتحقيق غايات شتى، فلم يستفد التراث الحساني بجديد ولم ينعم بإضافة وإنما فقد اللغة والأصالة والخيال النافد وكثرت فيه السطحية والابتدال والتكلف الا ما كان لدى بعض الشباب الموريتاني من تمكن يثلج الصدور.
ولقد كان الشعر الحساني بمثابة الحضن الحقيقي لأهم تجليات التراث الحساني كالعادات والقيم والمعارف التي ميزت الانسان البيظاني عن غيره. وقد أدت ندرة الأقبال الأكاديمي الى البحث في هذا الموضوع الى مجانبته وتهميشه نظرا لأسباب عدة ومعاذير كثيرة، لكنه سيظل قائما بعن الله (ما أقام عسيب) كما قال الشاعر.
والله ولي التوفيق.
د. الطالب بويا ماء العينين لعتيك

Vues d'Afrique
Vues d'Afrique