Collège CSM Montréal Collège CSM

مفارقة الطيور للوكور

Par : Ahmed Tahri

Vues d'Afrique


الحزن الجاثم على جسد الوطن النازف جراء الزلزال، فوت علينا فرصة إبهاج طقس وداعك. فكيف للحبور أن يستقيم في هكذا جو من القتام، الجهامة والنفور..؟.
كم هو قاس وقع الرحيل على المرء في هكذا ظرف عليل.. ظرف المنظر الأسود هذا..
لقد ودعناك، أيها الحبيب، وفي قلبنا جمر الغضا..
هي مفارقة الطيور للوكور..
ودعناك هذا الصباح، ورجعنا وحيدين إلى وكرنا. فماذا، يا ترى، تركت به؟.
تركت مكانا لك يعبق بطيبك.. صورا لك تبتسم في إطارات.. ملابس لك مرتبة في دولاب..
تركت صدى قهقهات حلوة ميزت دوما خفة روحك..
وتركت، طبعا، كتبا مصفوفة على رفوف بالمكتبة.. تلك الكتب التي ستظل تذكرنا بأن شغفك بالفلسفة والأدب، كما بالسينما والموسيقى (…) لم يفتر، رغم اختيارك الهندسة مسارا أكاديميا ومستقرا مهنيا..
على خطى شقيقك، اخترت الهجرة وجهة لمستقبلك. هو قرارك النهائي، الذاتي والحر..
هي إرادتك، أنت الحالم بأفضل وأحسن مما كان ويكون الآن، لكنه الحلم الواقعي الموضوعي الذي لم يعدم لديك، قط، علامات الجلد والقناعة..
هو حلمك، أنت الشاب الصدوق الودود، الذي خبرناه قليل التشكي لما يصيبه، قليل التوجع لما يحزنه..
هي مفارقة الطيور للوكور..
الطيور الحالمة بخبط أجنحتها بطلاقة وحرية.. الطيور العاشقة للتحليق عاليا في السماء الصافية الشاهقة..
فليكن، إذن، فلها في سمائها الرحبة ما تشاء، ما تشتهي وما ترضى..
يقينا أقول، إن حسن الظن بك، أيها الحبيب، ويا أيها الإبن الصديق، لا ولن يخيب. والشاهد في ذلك، أثرك الطيب وذكراك الحسنة أينما حللت وارتحلت..
أمديح افتخار هذا من أب لإبنه؟ هو حقا كذلك. فالطيور المغردة النادرة تستحق أكثر من مديح..
وأزيد بالقول إنه، يقينا، أيضا، أن ما يجبر الخاطر ويريح البال، إدراكنا، حق الإدراك، أن دليلك في مسعاك الشخصي هو قلبك..
قلبك هو هاديك في شتى الأحوال، في الأفراح والمسرات، كما في الشدائد والأهوال..
هو قلبك الرؤوف، الشفوق، العطوف.. قلبك السليم السالم من الشرور.. قلبك الأبيض الناصع، النقي من الأوحال.. أوحال الدنيا، الدار الخادعة..
هو وحده قلبك، شراع سفينتك المرشد وهي تمخر محيطات العالم، هادئة أحيانا وصاخبة أحيانا أخرى، فالأمر سيان..
أوليست القلوب البيضاء وحدها من تصنع الفارق في الحياة الفانية؟..
ولأن صفاء القلوب البيضاء يجلب الحصاد الوافر من الخير العميم، فلك، إذن، أن تقطف الثمار المباركة للخير الوفير..
هي نصيحة سيد العارفين للعالمين. حكمة مولانا جلال الدين الرومي: “واعلم أن الباب قلبك لا سواه..”.
إلى اللقاء، سفيان الحبيب، هنا، أو هناك في مدينة فانكوفر الكندية، التي اخترتها مستقرا لك، أو في غيرها، إن كان مازال في الوقت متسع في هذه الدار الماكرة العاجلة..
وداعا، أيها الحبيب، على أمل أن يكون اغترابك، وأنت على وشك طرق باب الثلاثين، ذاك الاغتراب المفضي إلى الضوء والحرية..
اغتراب المحبة، الشغف، العنفوان، المغامرة، الاستكشاف، الإبداع والتجدد…
أودعك، أيها الحبيب، وأنا أداري بالكاد لوعة فراقك، مرددا مع أبي تمام:
“وطول مقام المرء في الحي مخلق..
لديباجتيه، فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة..
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد”.

Vues d'Afrique
Vues d'Afrique