
إبراهيم حريري
زلزالان ضربا المغرب.
الأول على مقياس ريتشر. نشر الدمار والرعب.
الثاني على مقياس الحب، نشر الرحمة والود.
كان يوم جمعة. كنت مجهداً وتعباً. ذهبت إلى النوم قبل الزلزال بدقائق معدودات. أحسست برجلي اليمنى تهتز، توجست ليلتها من احتمالية أزمة توتر. بعدها صار رأسي يتحرك أيضا ” أعوذ بالله ” صرت أردد خائفا من أزمة كبرى بسبب ارتفاع الضغط. ثم صار السرير يتحرك. لم أفكر لحظتها في الزلزال، لا أزال متعبا، في تلك اللحظات، خمنت أن قطا صار يرج السرير رجّاً.
ثم تعالت الأصوات في الخارج. علمت بعدها أنه الزلزال. ساعتان قضيتها خارجا. ذاب الخوف والتوجس، مكانه صار الترقب سيدا.
ماذا هناك؟
بعد ساعات، عبر الجزيرة، علمت أن زلزالا ضرب الحوز.
7 أو 7,2 6,8 أوعلى مقياس ريتشر. كل موقع يعطي رقما. أما أرقام عدد الضحايا، فتلك حكاية أخرى.
رويدا، رويدا، ينكشف حجم المأساة.
” ما هموني غير الرجال إلى ضاعوا
الحيوط إلى رابو كلها يبني دار “
هكذا كان بوجميع وعمر السيد والعربي باطما يغنون في مجموعة ناس الغيوان. بالفعل مات الرجال وولولت النساء وبكى الأطفال. ليس على الحجر بكوا، بكوا من هول الصدمة ومن الفراق.
ثم ضرب زلزال آخر.
كأن ريحا محملة بعطر الوطن نشرت أريجها، هبَّ الجميع.
طوابير طويلة على امتداد الوطن للمتبرعين بالدم.
طوابير كبيرة على المتاجر الكبرى لأناس عاديين يشترون الخبز والحليب و… من أجل منكوبي الوطن.
على أي مقياس ضرب هذا الزلزال التالي ؟ من ذا الذي سيخترع سلما لهذا التآزر والتلاحم ؟
زلزال كان له ارتداد على مستوى العالم. تلك الريح رمت أريجها في العالم بأسره. وقف الجميع انبهارا واحتراما.
يا لهذا البلد، كيف يضحك ويبكي العالم في ذات اللحظة.
يا لهذا البلد، إن ضحك وفرح نشر فرحه في العالمين : ضحك منا رجل ورقص، على وقع ابتسامته ابتسم الصغير والكبير.
عانق رجل أمه، ففرح لفرحه القاصي والداني.
وبكى رجل ابنه المحاصر في بئر، بكى الأقربون والأبعدون.
لك الله يا وطني.
كيف أحكي لكم عن أبناء هذا الوطن.
رجل ( فايسبوكي حرّ ) بحَّ وتعب ولا يزال واقفا يسيِّر القوافل للدواوير البعيدة.
امرأة مسنّة، تسند جسدها بعكازتها وتحمل قنينة زيت لتتبرع بها من أجل المنكوبين.
رجل مسن يأتي على دراجة هوائية ليقتسم قوته اليومي، مبتسما راضيا، مع الضحايا.
كيف أحكي لكم عن أبناء وطني ؟
ملك يعود من رحلة علاجية على وجه السرعة ثم يتبرع بدمه لأبناء وطنه.
أمير شاب يبكي.
المغرب حكاية لا تنتهي.
المغرب سردية من حب وأمل.
المغرب لحن الجبال والأنهار والوديان.
المغرب سمفونية الإخاء والود والرحماء.
إبراهيم حريري
كاتب وصحفي