المهندس محمد بنعبو خبير في المناخ و التنمية المستدامة

بين المناخ الجديد والسيناريوهات المحتملة
تتسم معالم المناخ الجديد بالمغرب عبر جعل الحالة الهيدرولوجية تتناقص لا على مستوى التساقطات المطرية والثلجية ولا على مستوى المياه الجوفية، مما نتج عنه عجز في مختلف الأحواض المائية، هذا الوضع أثر سلبا على حجم المخزون المائي بالسدود، إذ بلغ إلى غاية اليوم حوالي 5.363 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 33.27 في المائة كنسبة ملء إجمالي، مقابل 34.33 في المائة سجلت في التاريخ نفسه من السنة الماضية.
وسيمكن المخزون المائي المتوفر حاليا بالسدود من تأمين حاجيات الماء الصالح للشرب بالنسبة لجميع المدن الكبرى المزودة انطلاقا من السدود في ظروف عادية، باستثناء الموجودة بأحواض ملوية وأم الربيع، التي من المرتقب أن تعرف بعض الصعوبات في حالة عدم تحسن الحالة الهيدرولوجية خلال الأشهر المقبلة، الإجراءات المتخذة في هذا الصدد تضمنت تفعيل لجان اليقظة والتتبع برئاسة الولاة لاتخاذ القرارات الضرورية واللازمة من أجل تدبير أفضل للموارد المائية المتاحة وإجراءات ترشيد استعمالها، والتتبع المستمر لوضعية الموارد المائية حسب تطور الحالة الهيدرولوجية
ويتم الانكباب على مجموعة من المشاريع تهدف إلى المحافظة على المياه الجوفية عبر الإسراع في إرساء تدبير مستدام وتشاركي في إطار تعاقدي، وتحسين النجاعة المائية عبر التدبير المندمج للماء على صعيد المدن الكبرى عبر الربط بين الأنظمة المائية، فالمملكة المغربية منكبة اليوم كذلك على مواصلة تحسين مردودية شبكات توزيع الماء الصالح للشرب، وبرنامج الاقتصاد في مياه السقي، ثم تعزيز العرض المائي عبر مواصلة سياسة السدود الكبرى والصغرى والبحيرات التلية وفق مقاربة تشاركية بين القطاعات المعنية، فلا ينكر أحد أهمية الماء والدور الذي يلعبه في كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، حيث كان وسيظل من الركائز الأساسية لمواكبة مسار التنمية، فبلادنا، نهجت مبكرا سياسة مائية أرسى دعائمها المرحوم الحسن الثاني وسار على نهجها الملك محمد السادس نصره الله، لتحقيق الأمن المائي
فقد اعتمدت المملكة سياسة مائية استباقية لضمان الأمن المائي، سياسة ترتكز على تعبئة الموارد المائية عن طريق إنجاز السدود، حيث أن المغرب يتوفر اليوم على 152 سدا كبيرا بسعة إجمالية تقدر بـ 20 مليار متر مكعب، و136 سدا صغيرا لدعم ومواكبة التنمية المحلية، كما تتواصل تعبئة المياه من خلال 20 سدا كبيرا في طور الإنجاز بسعة إجمالية تفوق 5 ملايير متر مكعب، بالإضافة إلى أكثر من 30 سدا صغيرا كذلك في طور الإنجاز، يعتبر قطاع الماء من الملفات التي وضعتها الحكومة الجديدة على رأس أولوياتها، لتكون بذلك وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، بصفتها الوصية على هذا القطاع، مطالبة بإيجاد حلول للإكراهات الراهنة، والمتمثلة في انخفاض الواردات المائية، وتفاقم حدة الظواهر القصوى نتيجة التغيرات المناخية، وارتفاع الطلب والاستغلال المفرط للثروة المائية الجوفية، بالإضافة إلى ضعف تثمين المياه المعبأة، وتلوث الموارد المائية الناجم عن التأخر الحاصل على مستوى التطهير السائل وتنقية المياه العادمة، رغم لإنجازات التي حققها المغرب في قطاع الماء، والتي يعتبر أبرزها سياسة السدود التي انتهجتها المملكة منذ 1967 في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني، لا زال هذا القطاع يوجه عدة تحديات تخص انخفاض الواردات، والتغيرات المناخية، وعدم التثمين الأمثل لهذه الثروة.
فقداعتمد المغرب سياسة مائية لضمان الأمن المائي، تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والمندمجة للموارد المائية، وتأخذ بعين الاعتبار التحديات والحاجيات الآنية والمرتقبة وكذا التأثيرات التي يمكن أن تنجم عن الاحترار المناخي، وترتكز هذه السياسة، على تعبئة الموارد المائية عن طريق إنجاز السدود، إلا أنه أصبح من الضروري والاستعجالي العمل على مراجعة وإغناء الصيغة النهائية للمخطط الوطني للماء 2050 على ضوء توصيات النموذج التنموي الجديد في إطار تشاركي مع القطاعات المعنية وتمثيليات المواطنات والمواطنين على الصعيد الإقليمي والجهوي والوطني، فقد أصبح تعزيز المخزون الاستراتيجي من الماء بالمغرب ضرورة ملحة في ظل التغيرات المناخية، خصوصا وأن المملكة تعد من بين الدول التي تتسم بمحدودية مواردها المائية، وهشاشتها المناخية في ظل تباين نسبة التساقطات المطرية، مما يساهم في تناقص الموارد المائية السطحية، واستنزاف الفرشة المائية، ووفق توقعات رسمية، ينتظر أن تساهم التغيرات المناخية في تراجع حصة الفرد من المياه ما بين 10 و20 في المائة في أفق 2030، ثم بين 40 و50 في المائة في أفق 2050.
إن المغرب يشهد تفاوتا كبيرا في توزيع المياه، خصوصا السطحية، بفعل تباين التساقطات بين المناطق، حيث يلاحظ أن المناطق الشمالية للمملكة التي تتواجد بها أحواض اللوكوس وسبو، تحقق نوعا ما الاكتفاء الذاتي، بينما تسجل الأحواض المائية المتواجدة بالمناطق الجنوبية والشرقية مخزونا قليلا من هذه المادة الحيوية، مثل حوض واد نون، وسوس ماسة، وملوية، وتانسيفت، ويسجل مخزون المياه الجوفية بدوره تراجعا متواصلا، حيث أن أغلب الفرشة المائية التي يتراوح عمقها بين 50 و60 مترا، تعرضت للاستنزاف، خصوصا بالمناطق الجنوبية، بفعل السقي غير المعقلن، الذي تفاقمه قلة التساقطات المطرية.
ولتعزيز المخزون الاستراتيجي من الماء، يجب وضع حلول استعجالية، من قبيل عقلنة استعمال هذه المادة بالقطاع الفلاحي، الذي يستنزف ما بين 87 و90 بالمائة من المخزون المائي بالمملكة، من خلال تعميم السقي بنظام التنقيط، ومنع زراعة بعض المنتوجات التي تتطلب نسبة كبيرة من المياه في المناطق التي تعاني استنزاف فرشتها المائية، إضافة إلى وجوب الحد من تسرب المياه خلال نقلها عبر قنوات التصريف من السدود إلى أماكن السقي، وإلى جانب ترشيد الاستهلاك يجب توسيع الاستثمار في المشاريع الجديدة لزيادة المخزون الاستراتيجي، من قبيل زيادة محطات تحلية مياه البحر لتشمل كل المناطق الساحلية، واستغلالها في المجال الفلاحي، إضافة إلى مواصلة النهج المتبع في مجال معالجة المياه العادمة، حيث انتقل المغرب من محطتين إلى 122 محطة.
إن تغيير دورة المياه الناتج عن الاحتباس الحراري لن يؤثر فقط على نوعية وكمية المياه اللازمة لاحتياجات الإنسان الأساسية ، ولكنه سيشكل أيضا مخاطر على إنتاج الطاقة والأمن الغذائي والصحة وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والحد من الفقر، وبالتالي المساس بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. إن حجم الآثار الكارثية التي يمكن أن يكون لذلك قد تم تأكيده من خلال التحذير الذي أصدرته 13 وكالة إغاثة هذا الأسبوع من أن أكثر من 12 مليون شخص في سوريا والعراق يفقدون وصولهم إلى الغذاء والماء بسبب الاحتباس الحراري، فقد نظرنا في عواقب ظاهرة الاحتباس الحراري على المياه. في الواقع ، في حين أن الزيادة في درجة الحرارة وارتفاع مستويات المياه هما أكثر البيانات مشاهدة على نطاق واسع، فإن المتغيرات الأخرى تتيح لنا أن نكون على دراية بالتغيرات القادمة.
وسيؤثر تغير المناخ على الرطوبة والجفاف والمناطق الساحلية والمحيطات ، وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وبالتالي، إذا لم نحصر الاحترار على +1.5 درجة مئوية، فسوف نشعر بإجهاد الماء أكثر. ومع ذلك، فإن 50٪ من سكان العالم يتعرضون بالفعل للإجهاد المائي، وهذا يرجع بشكل رئيسي إلى تكثيف دورة المياه. يؤدي هذا إلى هطول أمطار غزيرة بالإضافة إلى الفيضانات المصاحبة لها. ويعني تكثيف دورة المياه بشكل خاص موجات جفاف أشد في المناطق الجافة بالفعل. سوف تصبح أكثر جفافا ، مما يزيد من خطر نشوب حريق. لذلك ستصبح موارد المياه حرجة بشكل متزايد في المستقبل، وفي السنوات الأخيرة. وهي تشمل البداية المتزامنة لموجات الحر الشديدة والجفاف في بعض المناطق ، فضلاً عن هطول أمطار غزيرة وفيضانات في مناطق أخرى ، وكل ذلك بدرجة غير مسبوقة.
إن العلوم الفيزيائية لتغير المناخ واضحة، مع ارتفاع درجات الحرارة، سيكون الطقس جافا جدا ورطبا أكثر شيوعا، إلى جانب الظواهر الجوية القاسية الأخرى، وستؤثر درجات الحرارة المرتفعة والظروف الجوية الأكثر تطرفا والأقل قابلية للتنبؤ على توافر وتوزيع هطول الأمطار وذوبان الجليد وتدفقات الأنهار والمياه الجوفية، مما يؤدي إلى زيادة تدهور جودة المياه، من المرجح أن تكون المجتمعات ذات الدخل المنخفض، والتي هي بالفعل الأكثر عرضة لأية تهديدات لإمدادات المياه، هي الأكثر تضررا.
فمن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة عدد المناطق المعرضة للإجهاد المائي وتفاقم النقص في المناطق التي تعاني بالفعل من الإجهاد المائي، ووفقا لهيئة الأمم المتحدة فإن أكثر من خمس أحواض العالم قد شهد مؤخرا إما زيادة سريعة في مساحة المياه السطحية، أو علامة على الفيضانات، أو زيادة في الخزانات والأراضي التي غمرتها المياه مؤخرا، أو انخفاض سريع في مساحة المياه السطحية، علامة على جفاف البحيرات والخزانات والأراضي الرطبة، في المغرب وفي جميع أنحاء العالم، من المتوقع أن تتوسع الأراضي الجافة بشكل كبير، ومن المتوقع أن يؤثر الذوبان المتسارع للأنهار الجليدية سلبا على موارد المياه في المناطق الجبلية والسهول المجاورة، مثلما قد تؤدي ندرة المياه وضعف المحاصيل إلى فقدان سبل العيش والهجرة القسرية في بعض المناطق ، تتسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات في خسائر مادية وبشرية هائلة في أماكن أخرى، ويخلص تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ إلى أن تغير المناخ وآثاره ستستمر في التفاقم خلال السنوات القليلة المقبلة إذا لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات فورية وحاسمة ضد ظاهرة الاحتباس الحراري.
المغرب من بين 27 دولة حيث خطر النقص مرتفع
وفقا لتقرير صادر عن معهد الموارد العالمية مؤخرا تواجه 17 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ندرة حادة في المياه، وتشير الخريطة التي رسمها معهد الموارد العالمية إلى أن المغرب مهدد أيضا وهو يقترن ببلدان “ذات تهديد كبير”، وهذا يعني أن المغرب من بين البلدان التي يكون فيها الطلب على المياه أكبر من الكمية المتاحة، هذا التقرير المثير للقلق يصنف المغرب في المرتبة 22 من إجمالي 164 دولة.
في الواقع ، تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام من حرارة وجفاف مقلقة للغاية ، كما أن ضعف إمدادات المياه وكذلك تغير المناخ يزيد من تفاقم المخاطر. هذه المنطقة ، التي تمثل ربع سكان العالم ، مهددة اليوم بالعطش وتقترب بشكل متزايد من اليوم الذي لن تتدفق فيه المياه من الصنبور.
ويقدر البنك الدولي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستجني خسائر اقتصادية كبيرة بسبب أزمة المياه المرتبطة بالمناخ والتي تتراوح من 6٪ إلى 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، فلقد أصبح لدينا قطر دائرة العطش يمتد من طنجة إلى شمال شرق الصين، مستويات الإجهاد المائي هناك مقلقة للغاية، حيث تقل عن 1000 متر مكعب من المياه لكل فرد في السنة، في عدد معين من الدول نحن أقل من عتبة الإجهاد المائي الشديد ، بمستوى 500 متر مكعب من المياه لكل فرد في
في هذه البلدان حيث يبدو الوضع حرجا حيث يتم امتصاص المياه بشكل أساسي من خلال الزراعة والصناعة والاحتياجات البشرية، وتستهلك الأخيرة حوالي 80٪ من المياه الجوفية في المتوسط سنويا, ويؤكد التقرير أن هناك دائما مجالا لمعالجة هذه الأزمة ، من خلال اتخاذ الإجراءات والاستثمار في إدارة أفضل، لذلك من الممكن حل مشاكل المياه هذه وبالتالي إنقاذ الكوكب الآن، اليوم لا يتم إعادة استخدام حوالي 82٪ من مياه الصرف الصحي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، بينما تعالج عُمان ، المصنفة على أنها بلد “مرتفع للغاية” من الإجهاد المائي ، 100٪ من نفاياتها والمياه المجمعة وإعادة استخدام 78٪، عادة 84٪ من مياه الصرف الصحي. يتم التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي ويتم إعادة استخدام 44٪.
ختاما ففي المغرب اليوم يبرز بشكل كبير تغير المناخ والجفاف والعجز في التساقطات المطرية، هي عناصر تجتمع لتشكل ضغطا على الموارد المائية كإشكالية مقلقة توحي بأن ظاهرة الاحتباس الحراري وكأنها واقع لا رجعة فيه، وللتغلب على مشكل الضغط على الموارد المائية، يرى العلماء على أنه لا مفر من اعتماد استراتيجية التخطيط والاستباقية، فإذا كان المؤشر أقل من 500 متر مكعب من المياه العذبة لكل مواطن سنويا، فإننا نتحدث عن نقص إجمالي يتراوح بين 500 متر مكعب وألف متر مكعب، حيث نكون أمام نقص مزمن، أما الحديث عن الضغط على الموارد المائية يصبح جديا عندما يكون لدينا نصيب من المياه من ألف متر مكعب إلى 1700 متر مكعب، ففي المغرب، تصل حصة كل فرد من الماء سنويا 620 متر مكعب، يعني أننا أمام ندرة من هذه المادة وقد تتناقص هذه الحصة من حوض مائي إلى آخر على سبيل المثال فحصة المواطن على مستوى الحوض المائي لأبيي رقراق الشاوية لا تتعدى 106 متر مكعب، بما يسمح بالقول إن هناك ندرة في الماء.
توقعات تقرير البنك الدولي تبقى كارثية حيث من المرتقب أن تنخفض بحلول عام 2030 حصة الفرد من المياه المتاحة سنويا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى ما دون الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا، وتواجه المملكة المغربية كسائر بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ندرة غير مسبوقة في المياه للإبقاء على قيد الحياة أو للحفاظ على سبل كسب العيش حيث يتنافس المزارعون وسكان المدن على الحصول على المياه، وهو ما يؤدي إلى انهيار شبكات المياه حيث من المنتظر أن يصبح شح المياه أكثر حدة مع ازدياد عدد السكان حيث زاد عدد سكان المغرب من 13 مليون نسمة في عام 1960 إلى أكثر من 38 مليون نسمة في عام 2022 .وتشير التقديرات إلى أن عدد السكان سيصل إلى أكثر من 60 مليون نسمة بحلول عام 2050، وفي ضوء الإستراتيجيات الحالية لإدارة المياه، تشير تقديرات متحفظة للطلب على المياه في عام 2050 إلى الحاجة إلى 2.5 مليار متر مكعب إضافية سنويا، وهو ما يعادل بناء عدد كبير من محطات تحلية البحر إذن دون اتخاذ إجراءات، سيكون لنقص المياه تأثير ضار على سبل كسب العيش والإنتاج الزراعي، وقد يزيد من حدة التوترات بين المستخدمين والرفع من إيقاع وثيرة بناء السدود، واستغلال المياه الجوفية، وزيادة تحلية مياه البحر وهذا الأمر سيكون له وقع غير مستدام من الناحية المالية والبيئية.